لماذا تستيقظ دائماً وأنت متعب؟ الأسباب العميقة وطرق المواجهة

الاستيقاظ مع شعور مستمر بالتعب رغم ساعات النوم الكافية يُعد من أكثر الشكاوى الشائعة في العصر الحديث. ومع تطور أنماط الحياة الحديثة، والضغوط اليومية، وزيادة الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية، أصبح هذا الشعور حالة شبه مزمنة لدى الكثيرين. يعتقد البعض أن النوم وحده كافٍ لاستعادة النشاط، إلا أن المسألة أعمق بكثير وتتداخل فيها عوامل فيزيولوجية ونفسية وسلوكية وبيئية.

في هذا المقال المفصل، سيتم التطرق إلى الأسباب العلمية والبيئية والطبية التي تجعل الشخص يستيقظ مرهقًا، مع تقديم حلول عملية مبنية على أحدث الدراسات في علوم النوم والصحة العامة.

أولاً: اضطرابات النوم الخفية

توقف التنفس أثناء النوم (Sleep Apnea)

يُعد توقف التنفس أثناء النوم من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الاستيقاظ مع شعور بالتعب. في هذه الحالة، يتوقف التنفس لفترات قصيرة خلال النوم بسبب انسداد مجرى التنفس العلوي، مما يؤدي إلى اضطراب بنية النوم. من أبرز علاماته الشخير المرتفع والاستيقاظ المتكرر خلال الليل مع الشعور بالاختناق.

وفقاً لـ”المعهد الوطني للقلب والرئة والدم” (NHLBI)، فإن اضطراب توقف التنفس أثناء النوم يؤثر سلباً على الدورة الطبيعية للنوم العميق، مما يترك الشخص في مراحل النوم السطحية، وبالتالي يشعر بالإرهاق رغم قضاء 7-8 ساعات في السرير.

متلازمة تململ الساقين (Restless Legs Syndrome)

تسبب هذه الحالة رغبة لا تُقاوم في تحريك الساقين، غالباً في الليل، وتُسبب انقطاعات في النوم دون أن يدرك الشخص ذلك، مما يؤدي إلى شعور بالتعب صباحاً.

ثانياً: نقص جودة النوم وليس كميته

قد يظن البعض أن النوم لساعات طويلة كفيل بإعادة النشاط للجسم، إلا أن الجودة تلعب الدور الأهم. النوم الموزع بين مراحل النوم المختلفة (الخفيف، العميق، وحركة العين السريعة REM) هو ما يمنح الجسم والشعور بالراحة والتجدد.

العوامل المؤثرة على جودة النوم:

• الإضاءة الصناعية: التعرض للضوء الأزرق من الهواتف أو الشاشات قبل النوم يثبط إفراز هرمون الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم الساعة البيولوجية والنوم العميق.

• الضوضاء البيئية: الأصوات الخفيفة غير الملاحظة قد تقطع دورة النوم دون إيقاظ كامل، مما يؤثر على استمرارية النوم العميق.

• درجة حرارة الغرفة: ارتفاع الحرارة في غرفة النوم يقلل من فاعلية النوم العميق، حيث يُفضل أن تكون الغرفة بين 16 و20 درجة مئوية.

ثالثاً: مشكلات نفسية وعقلية

القلق المزمن والاكتئاب

الاضطرابات النفسية مثل القلق العام والاكتئاب تؤثر بشكل مباشر على جودة النوم. إذ تؤدي إلى التفكير المفرط ليلاً، تقطع النوم، والكوابيس، مما يجعل الشخص يدخل في دوامة من الأرق الليلي والتعب الصباحي. أظهرت دراسة نشرتها مجلة Sleep Medicine Reviews أن الاكتئاب يُعد أحد العوامل الرئيسية المسببة للأرق المزمن والتعب الصباحي.

التوتر العصبي والإجهاد

حتى في غياب اضطراب نفسي فعلي، فإن الإجهاد النفسي المرتبط بالعمل أو العلاقات أو الظروف المعيشية قد يتسبب في نشاط مفرط للجهاز العصبي السمبثاوي، وهو ما يعيق الدخول في مراحل النوم العميق.

رابعاً: العادات اليومية غير الصحية

الكافيين والمنبهات

تناول القهوة أو مشروبات الطاقة في فترة بعد الظهر يرفع مستوى اليقظة ويؤثر على جودة النوم. الكافيين قد يبقى في الجسم حتى 8 ساعات، مما يؤدي إلى تقطع النوم أو تقليص فترة النوم العميق.

قلة النشاط البدني

الخمول اليومي يقلل من حاجة الجسم للنوم العميق. الأشخاص الذين لا يمارسون أي نوع من التمارين الجسدية يعانون من نوم سطحي، ويشعرون غالباً بالإرهاق عند الاستيقاظ. الرياضة المنتظمة – خصوصاً في الفترة الصباحية أو بعد الظهر – تساهم في تحسين جودة النوم بشكل كبير.

التغذية قبل النوم

تناول وجبات دسمة أو غنية بالسكريات قبل النوم يزيد من نشاط الجهاز الهضمي ويعيق الدخول في نوم مريح. يُفضل تناول وجبة خفيفة قبل ساعتين إلى ثلاث ساعات من موعد النوم.

خامساً: الاضطرابات الهرمونية

اضطراب هرمون الكورتيزول

الكورتيزول، المعروف بهرمون التوتر، يجب أن يكون في أعلى مستوياته صباحاً وأقلها ليلاً. لكن بسبب التوتر المستمر أو السهر المزمن، قد يختل هذا الإيقاع الطبيعي ويصبح الكورتيزول مرتفعاً ليلاً، مما يمنع النوم العميق ويؤدي إلى التعب الصباحي.

مشكلات الغدة الدرقية

فرط أو خمول نشاط الغدة الدرقية يؤثر بشكل مباشر على النوم والطاقة الصباحية. في حالة فرط نشاط الغدة، يشعر الشخص بالأرق وزيادة النشاط الليلي. أما في حالة الخمول، فإن الشخص يشعر بالتعب المفرط والنوم غير المنعش.

سادساً: تأثير التكنولوجيا الحديثة

الاستخدام الليلي للأجهزة الذكية

الضوء الأزرق المنبعث من الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر يؤدي إلى تعطيل إفراز الميلاتونين، وهو ما يمنع الجسم من الدخول في حالة الاسترخاء اللازمة للنوم العميق. كما أن التفاعل مع المحتوى المثير للعواطف (مثل الأخبار أو مواقع التواصل) يرفع مستوى اليقظة العصبية.

الإشعاعات الكهرومغناطيسية

رغم أن الأبحاث لا تزال مستمرة حول هذا الموضوع، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أن النوم بالقرب من أجهزة الراوتر أو الهواتف قد يُحدث اضطرابات طفيفة في النشاط الدماغي أثناء النوم، مما قد يساهم في الشعور بالتعب الصباحي.

سابعاً: الأمراض المزمنة وتأثيرها

فقر الدم

فقر الدم الناتج عن نقص الحديد أو فيتامين B12 يسبب نقصًا في كمية الأوكسجين الواصلة إلى الأنسجة أثناء النوم، مما يُفسر الشعور بالتعب الدائم عند الاستيقاظ، حتى في حال الحصول على نوم كافٍ.

السكري واضطراب سكر الدم الليلي

التقلبات في مستويات سكر الدم ليلًا قد تؤدي إلى استيقاظ مفاجئ أو اضطراب في النوم، وهذا بدوره يؤدي إلى تعب عند الاستيقاظ. كما أن نقص السكر قد يسبب كوابيس أو تعرقًا ليليًا.

الأمراض الالتهابية المزمنة

مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، وأمراض المناعة الذاتية، تؤدي إلى إطلاق مواد التهابية في الجسم تؤثر على جودة النوم وتسبب تعبًا مزمنًا، حتى بعد نوم لساعات طويلة.

ثامناً: جدول مقارنة بين الأسباب الأكثر شيوعًا للتعب عند الاستيقاظ